فصل: المطلب الأول: ما ثبت عن علي كرم الله وجهه، وآل البيت من القول بالرؤية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الإمام الطبري:
وعن الحسن في قوله: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية، أو كلاما هذا معناه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون. ويحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته، وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الآية تدل على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته. فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته، إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه.
وقال: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} فهذا دليل على أن المؤمنين يرون الله.
وقال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: قالت الجهمية: إن الله لا يرى في الاَخرة، وقال الله عز وجل: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} فلا يكون هذا إلا إن الله عز وجل يرى، وقال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فهذا النظر إلى الله ولأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إنكم ترون ربكم} صحيحة، وأسانيدها غير مدفوعة، والقرآن شاهد: أن الله يرى في الاَخرة.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل- وقد ذكر عنده شيء في الرؤية- فغضب وقال: من قال: إن الله لايرى، فهو كافر.
وقال عباس الدوري: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول- وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية- فقال: هذه عندنا حق، نقلها الناس بعضهم عن بعض.
وقال عبد الله بن وهب: قال مالك بن أنس: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم.
وقال المزني: سمعت ابن هرم القرشي يقول: سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} قال: فلما حجهم في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا قال: فقال له أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم به تقول؟ قال: نعم، وبه أدين الله، فقام إليه عصام، فقبل رأسه، وقال: يا سيد الشافعيين، اليوم بيضت وجوهنا، ذكره الحاكم في مناقب الشافعي.

.المطلب الثالث: ما استدل به المانع للرؤية من القرآن وفيه دليل عليه:

الدليل الأول: قال تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}. الآية: من سورة الأعراف رقم (143).
قال ابن القيم في حادي الأرواح: وبيان الدلالة من هذه الآية على إثبات الرؤية من وجوه عديدة:
أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه.
الوجه الثاني ان الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله.
الوجه الثالث أنه اجابه بقوله لن ترني ولم يقل لا تراني ولا إني لست بمرئي ولا تجوز رؤيتي والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تامله وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى.
الوجه الرابع أن الله سبحانه ووتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن وقد علق به الرؤية ولو كانت محالة في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤية محالة لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل واشرب وأنام فالأمران عندكم سواء.
الوجه الخامس قوله سبحانه وتعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز ان يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامتهم ويريهم نفسه.
الوجه السادس أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وان يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز.
قال القرطبي في تفسيره:
قوله تعالى: {قال لن تراني} أي في الدنيا. ولا يجوز الحمل على أنه أراد: أرني آية عظيمة لأنظر إلى قدرتك؛ لأنه قال: {إليك} و{قال لن تراني}. ولو سأل آية لأعطاه الله ما سأل، كما أعطاه سائر الآيات.
ثم قال: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا} وتجلى معناه ظهر؛ من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها. وجلوت السيف أبرزته من الصدأ؛ جلاء فيهما. وتجلى الشيء انكشف. وعند أهل السنة والجماعة الرؤية جائزة. وعند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة، وهذا لا يقتضي التوبة.
قال علي بن مهدي الطبري: لو كان سؤال موسى مستحيلا ما أقدم عليه مع معرفته بالله؛ كما لم يجز أن يقول له يا رب ألك صاحبة وولد.
وفي تفسير الجلالين:
{قال لن تراني} أي لا تقدر على رؤيتي، والتعبير به دون لن أُرى يفيد إمكان رؤيته تعالى.
الدليل الثاني: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} (سورة الأنعام. الآية: 103).
قال القرطبي:
الآية: 103 {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} بين سبحانه أنه منزه عن سمات الحدوث، ومنها الإدراك بمعنى الإحاطة والتحديد، كما تدرك سائر المخلوقات، والرؤية ثابتة.
وقال الزجاج: أي لا يبلغ كنه حقيقته؛ كما تقول: أدركت كذا وكذا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث في الرؤية يوم القيامة. وقال ابن عباس: {لا تدركه الأبصار} في الدنيا، ويراه المؤمنون في الآخرة؛ لإخبار الله بها في قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} (القيامة: 22- 23). وقال السدي وهو أحسن ما قيل لدلالة التنزيل والأخبار الواردة برؤية الله في الجنة.
قال في الدر المنثور:
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه. فقال له رجل عند ذلك: أليس قال الله: {لا تدركه الأبصار} فقال له عكرمة ألست ترى السماء؟ قال: بلى قال: فكلها ترى».
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {لا تدركه الأبصار} قال: هو أجل من ذلك وأعظم أن تدركه الأبصار.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: {لا تدركه الأبصار} قال: في الدنيا. وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة، يقول الله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} (القيامة الآية 22) قال: ينظرون إلى وجه الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية في قوله: {لا تدركه الأبصار} قال: هذا في الدنيا.
{لا تدركه الأبصار} أي لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وحديث الشيخين «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» وقيل المراد لا تحيط به.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة «أن ناسًا قالوا: يا رسول الله، هل ترى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا: لا، يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب؟ قالوا: يا رسول الله. قال فإنكم ترونه كذلك».
وفي الصحيحين مثله من حديث أبي سعيد.
وعن جرير بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنا عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال: «إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي الطبري:
عن ابن عباس، قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} يقول: لا يحيط بصر أحد بالملك.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن سماك بن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: {ولقد رآه نزلة أخرى} قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه، فقال له رجل عند ذلك: أليس {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} (الأنعام: 103)؟ قال له عكرمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى، أفكلها ترى؟.
وحدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي في قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة} قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}.

.المبحث الثاني: الأحاديث الواردة في إثبات الرؤية:

ذكر العلامة الكبير: الهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه إلى إزهاق التمويه قول أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لابن عباس رضي الله عنهما: لما بعثه للاحتجاج على الخوارج «لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا» والخصومة التي كانت بين حبر الأمة ابن عباس وبين الخوارج، إنما هي في أصول الدين ومع هذا فقد اعتبر أمير المؤمنين الاحتجاج بها وأرشد ابن عباس إليها وبناءً على هذا الأصل المقرر من سيد العترة النبوية، فإليك الأدلة الواضحة، من نصوص السنة المطهرة على صاحبها أزكى الصلاة والتسليم.
وقد قسمت البحث إلى ثلاثة مطالب.

.المطلب الأول: ما ثبت عن علي كرم الله وجهه، وآل البيت من القول بالرؤية:

وبدأت أولا بما جاء عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله عنه وعن أهل بيته الأكرمين في هذه المسألة، إقامة في الحجة، وبيانا للأمة، وتبرئة للذمة.
1. وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة، وذكر ما يعطون، قال ثم يقول الله تعالى: اكشفوا حجابا، فيكشف حجاب، ثم حجاب، ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك، وهو قوله تعالى: {ولدينا مزيد}.أخرجه يعقوب بن سفيان واللالكائي.
2. وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولدينا مزيد} قال: يتجلى لهم الرب عز وجل.أخرجه الدارقطني في الرؤية.
وقد أخرج هذا الروايات الجامع الكافي لمحمد بن علي العلوي وهو من أكبر كتب الزيدية المعتمدة، وذكر الإمام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير في العواصم والقواصم أنه ورد عن علي القول بالرؤية من أربع طرق، وكذا عن بعض متقدمي الزيدية وهذا كافٍ في إثبات بطلان الإجماع المدعى من نفي الرؤية عن أهل البيت الكرام، كيف وقد خالف سيد العترة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه كما ترى؟
أما ما ذكره العلامة مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار من أنه مدسوس فيه ما ليس منه، ومدخول على أهل البيت ما لم يقولوه، فإنه يؤيد ما أثبته ابن الوزير من وجود إثبات الرؤية في الجامع الكافي، ويحتاج السيد مجد الدين في إثبات الدس إلى برهان على ذلك، أما مجرد الدعوى فيقدر عليها كل أحد، ويحتاج إلى إثبات من سبقه إلى هذا القول بذلك من أهل البيت الاماجد، ومن المتكلم فيه في رجال الأسانيد التي ذكرها؟ ومن قال ذلك قبله من أئمة الزيدية؟، وما ذكره من أن الدليل على ذلك أن الأمام الذهبي مدح صاحب الجامع الكافي بقوله: ثقة ثبت حافظ جمع فقه أهل العراق، فدليل لا يلتفت إليه، وحجة يستغرب منها العاقل، فماذا كان يريد السيد مجد الدين؟ أيريد أن يقدح فيه حتى يكون عنده ثقة؟ وكيف يصنع الذهبي رحمه الله؟ إن جرح قالوا عدو لأل البيت وإن مدح تكلموا فيه كذلك، أهذه منهجية علمية يتعامل بها أهل العلم والفقه؟ وأو لا يخشى العلامة مجد الدين أن يشكك في كتب آل البيت بالدس فيها، وأنها غير موثوق بها، فيكون ذلك سبيلا لردها وعدم اعتمادها، فيكون حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار، يريد أن ينفي ما في ما ورد في الجامع الكافي فيسبب التشكيك فيه، أولا يلاحظ أنه تناقض فقد روى بعد ذلك أربع طرق له إلى الجامع الكافي، كلها عن أئمة الزيدية الثقات الأثبات؟ فمن أين جاء الدس؟ أولا يلزم ذلك جرحا في رجال السند الذي ذكره؟ فينتبه إلى هذا فإنه أمر خطير، وجدير بعلماء الزيدية أن ينبهوا إلى خطأ هذا العمل ولو كان من غير مجد الدين، لاتهم صاحبه بالعداء لآل البيت، لتشكيكه في كتبهم.